خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف
ولما اشتد البلاء من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت عمه خرج إلى الطائف ، رجاء أن يؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم حتى يبلغ رسالة ربه . ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا ، وآذوه أشد الأذى . ونالوا منه ما لم ينل قومه . وكان معه زيد بن حارثة مولاه . فأقام بينهم عشرة أيام . لا يدع أحدا من أشرافهم إلا كلمه فقالوا : اخرج من بلدنا . وأغروا به سفهاءهم . فوقفوا له سماطين . وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه هي أشد وقعا من الحجارة . حتى دميت قدماه وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فانصرف إلى مكة محزونا .
وفي مرجعه دعا بالدعاء المشهور اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك ، أو ينزل بي سخطك . لك العتبى حتى ترضى . ولا حول ولا قوة إلا بك فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة - وهما جبلاها اللذان هي بينهما - فقال بل أستأني بهم . لعل <75> الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا
فلما نزل بنخلة في مرجعه قام يصلي من الليل ما شاء الله فصرف الله إليه نفرا من الجن . فاستمعوا قراءته ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه ( 46 : 28 - 32 ) وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن - إلى قوله - أولئك في ضلال مبين وأقام بنخلة أياما . فقال زيد بن حارثة رضي الله عنه كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ - يعني قريشا - فقال يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا . وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه .
ثم انتهى إلى مكة . فأرسل رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي أدخل في جوارك ؟ فقال نعم . فدعا المطعم بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت . فإني قد أجرت محمدا . فلا يهجه أحد . فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه . وصلى ركعتين . وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به في السلاح حتى دخل بيته .
الإسراء والمعراج
ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليه السلام . فنزل هناك . وصلى بالأنبياء إماما . وربط البراق بحلقة باب المسجد . ثم عرج به إلى السماء الدنيا . فرأى فيها آدم . ورأى أرواح السعداء عن يمينه والأشقياء عن شماله . ثم إلى الثانية . فرأى فيها عيسى ويحيى . ثم إلى الثالثة . فرأى فيها يوسف . ثم إلى الرابعة . فرأى فيها إدريس . ثم إلى الخامسة . فرأى فيها هارون . ثم إلى السادسة . فرأى فيها موسى . فلما جاوزه بكى . فقيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي أن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي . ثم عرج به إلى السماء السابعة . فلقي فيها إبراهيم . ثم إلى سدرة المنتهى . ثم رفع إلى البيت المعمور . فرأى هناك جبريل في صورته له ستمائة جناح وهو قوله تعالى ( 53 : 13 - 14 ) ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه . وأعطاه الصلاة . فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم <76> فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وأخبرهم اشتد تكذيبهم له وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس . فجلاه الله له حتى عاينه . وجعل يخبرهم به . ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا . وأخبرهم عن عيرهم التي رآها في مسراه ومرجعه وعن وقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها . فكان كما قال . فلم يزدهم ذلك إلا ثبورا . وأبى الظالمون إلا كفورا .
فصل في الهجرة
قد ذكرنا <77> أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي عكاظ وغيرها . يدعوهم إلى الله . فلم يجبه أحد منهم . ولم يؤوه . فكان ممن صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم يهود المدينة : أن نبيا يبعث في هذا الزمان فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد .
وكانت الأنصار تحج ، كغيرها من العرب ، دون اليهود . فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله . وتأملوا أحواله . قال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به اليهود . فلا يسبقنكم إليه وقدر الله بعد ذلك . أن اليهود يكفرون به . فهو قوله تعالى ( 2 : 89 ) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين والآية بعدها .
بيعة العقبة الأولى
فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة : ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج . منهم أسعد بن زرارة وجابر بن عبد الله بن رئاب السلمي . فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا . ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوا إلى الإسلام . فنشأ الإسلام فيها ، حتى لم تبق دار إلا ودخلها . فلما كان العام المقبل جاء منهم اثني عشر رجلا - الستة الأول . خلا جابرا - ومعهم عبادة بن الصامت ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وغيرهم . الجميع اثنا عشر رجلا .
وكان الستة الأولون قد قالوا له - لما أسلموا - إن بين قومنا من العداوة والشر ما بينهم . وعسى الله أن يجمعهم بك ، وسندعوهم إلى أمرك . فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ، وكان الأوس والخزرج أخوان لأم وأب . أصلهم من اليمن من سبأ . وأمهم قيلة بنت كاهل - امرأة من <78> قضاعة - ويقال لهم لذلك أبناء قيلة . قال الشاعر .
بهاليل من أولاد قيلة لم يجد
عليهم خليط في مخالطة عتبا
فوقعت بينهم العداوة بسبب قتيل فلبثت بينهم الحرب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأها الله بالإسلام . وألف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قوله ( 3 : 103 ) واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا - الآية .
فلما جاءه الاثني عشر رجلا العام الآتي - الذين ذكرنا - ومنهم اثنان من الأوس : أبو الهيثم وعويم بن ساعدة والباقي من الخزرج .
فلما انصرفوا بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام . فنزل على أبي أمامة - أسعد بن زرارة - فخرج بمصعب - في إحدى خرجاته - فدخل حائطا من حيطان بني ظفر . فجلسا فيه واجتمع إليهما رجال ممن أسلم .
تــــــــــــــــــــــــــــــــــــابع